المعالجة الأكاديمية بالأعشاب الطبية
باتت العودة إلى طب الأعشاب ظاهرة عالمية كبيرة وليست ظاهرة محلية فقد اقتنع العالم أنه من المنطقي جداً تقديم كل ما يساعد المريض سواء أكان طباً كلاسيكياً و تكاملياً شرقياً أم غربياً .
وقال الدكتور عبد المؤمن قشلق الذي عكف على الدراسة والبحث في هذا المجال لحوالي 12 عاماً بالإضافة إلى اختصاصه في الأمراض الباطنية إن طب الأعشاب كغيره من طرق الطب التكاملي وقد تنبه أطباء الغرب له و حرصوا على ممارسته بشكل منظم و مدروس فاعتمدوا على الأعشاب الطبية في تصنيع الكثير من الأصناف الدوائية ففي ألمانيا يباع في الصيدليات أكثر من 400 صنف دوائي عشبي مصنع ومرخص له وتصدر عن الـ "ف د ا" وكالة الغذاء والدواء الأمريكية مئات النشرات سنوياً بخصوص مختلف الصيغ العشبية .
وأشار إلى أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين المعالجة الأكاديمية بالاعشاب التي سوف توصلنا إلى قوننته موضحاً أن المعالجة الأكاديمية بالأعشاب الطبية تعني ممارسة المعالجات من خلال استخدام مواد طبيعية بناء على تشخيص دقيق يتم وضعه حسب أسس علمية وطبية تشمل جميع الفحوصات السريرية وجميع الاستقصاءات اللازمة المخبرية والشعاعية وقبل وصف هذه العلاجات الطبيعية يجب الأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل المفترض معرفتها وحسن تطبيقها مثل الجرعات المسموح بها والفترة الزمنية اللازمة الواجب استخدام العلاج خلالها والآثار الجانبية للعلاج العشبي ومضادات الاستطباب... وأضاف أنه قبل أن نخوض في غمار التطبيقات الطبية والتأثيرات العلاجية فإن المواد الطبيعية المستعملة يجب أن تحظى بمواصفات معينة فهناك الكثير من المعايير التي يجب أن نحترمها لنحصل على النتائج المرجوة وهي جني الأعشاب فمن المفروض علينا التأكد أولاً من أن العشبة هي نفسها المعنية ويجب الانتباه إلى أي جزء من العشبة يلزمنا أوراق.. أزهار.. بذور.. جذور إضافة إلى أهمية توقيت جني الأعشاب الطبية كي تكون بكامل طاقتها ومحتواها من المواد الفعالة فالأجزاء الهوائية تجنى في الصباح الباكر حين يكون الندى لايزال عليها وقبل أن تغمرها حرارة الشمس القوية وتجمع الأوراق قبل ظهور البراعم والأزهار وكذلك الأزهار تجنى قبل ظهور الثمار والبذور كما أن اللحاء والجذور تجنى في بداية الربيع قبل بداية ظهور الأوراق أو في بداية الخريف وتجفف الأعشاب في الظل بتعليقها رأساً على عقب ونتأكد من جفافها كلياً قبل تخزينها وتغسل الجذور بعناية وتقطع إلى قطع متساوية كي تجف سوية وتعلق الأبصال وتربط لتجف لأن جني الأعشاب هو علم قائم بحد ذاته .
أما عن طريقة تخزين الأعشاب فيجب علينا تخزينها في مستوعبات خالية من الهواء ويفضل أن تكون من الزجاج الملون كي لا تلتقط شوائب من البلاستيك وتوضع في مكان بارد بعيداً عن الضوء وهذه الشروط غير متوفرة بتاتاً في الطب العشبي الشعبي غير الأكاديمي ولا تستطيع ضمانه إلا الشركات الدوائية التي لديها منهجية علمية مدروسة وبرنامج لجميع المراحل .
وهناك تحذير من التأثيرات العلاجية للأعشاب الطبية والتي هي على نوعين أعظمية وثانوية ومن هنا تصنف الأعشاب الطبية علاجياً بناء على تأثيراتها الأعظمية فالعشبة الهضمية مثلا تؤثر على الجهاز الهضمي بالدرجة الأولى وقد تكون عشبة مقيئة مثل اللوبيلية المنفوحة أو مقوية للهضم مثل الجنطيانا والبربريس أو مضادة للحموضة مثل البابونج وعراوة ملكة المروج أو مضادة للتشنج مثل الزنجبيل وحشيشة الدينار أو عشبة قابضة مضادة للزحار والإسهال مثل جراب الراعي والبلوط وهناك مدرات الصفراء مثل الكركم ومقويات الكبد مثل الخرشوفة وعرق السوس والملينة مثل الأرقطيون والحماض والهندباء والعشبة الرئوية التنفسية منها المقشعة مثل بلسم مكة وعرق الدم ومنها الموسعة للقصبات مثل الراسن ومنها المذيبة للمخاط المتراكم مثل الزوفا وحشيشة الملاك... أما الأعشاب القلبية فمنها المقوية للعضلة القلبية مثل الديجتال الأرجواني والقمعية الصفراء أو المدرة للبول لعلاج الوزمات مثل الكرفس أو الموسعة للشرايين مثل شجرة المعبد أو الجيلوبا ...
والأعشاب ذات التأثير البولي منها المضادة للجراثيم والإنتانات البولية مثل عنب الدب والعرعر والمضادة للتشنج مثل البلسان والبنج الأسود والمضادة للحصى مثل البتولا والفوة والكرفس وهناك مضادات التخثر مثل إكليل الملك والثوم والغليون ومخثرات الدم مثل الفصفصة والقراص ومقويات الأوعية الدموية مثل الزيزفون وكستناء الحصان وهناك خافضات الضغط مثل الزعرور والهدال ورافعات الضغط مثل العرق سوس والجنسنغ والعلد الشائع وهناك مجموعة الأعشاب التي تؤثر على الجهاز العصبي المركزي فمنها المقوية للجهاز العصبي المركزي مثل عشبة القديس جون والدميانا والشوفان ومنها المرخية للجهاز العصبي مثل حشيشة الدينار والناردين وزهرة الآلام ومنها المنشطة مثل الكولا وإكليل الجبل ومنها المسكنة مثل الياسمين الأصفر وزهرة العطاس وزهرة الفصح وهناك مضادات الالتهاب مثل مخلب الشيطان والشمعية وخاتم الذهب ومضادات الجراثيم مثل مر مكة وخاتم الذهب والبربريس وهناك الكثير من الأعشاب التي تتداخل على المناعة وهناك مضادات التحسس ومنظمات الغدد الصم ناهيك عن الأعشاب المقوية للرحم والأعشاب المجهضة والأعشاب المنشطة للجنس ...
هذا العمل الطبي كله يدخل ضمن اختصاصين هما الطب البشري الذي يشخص ويصف العلاج والصيدلة التي تؤمن العلاج الآمن لأن الأعشاب أدوية علاجية طبية يجب أن نحترمها كما نحترم الوصفات الدوائية الأخرى وتعامل كما تعامل الأدوية فالعديد من الأعشاب يمكن أن تكون ضارة بجرعات كبيرة أو مطولة كما أن العديد من الأعشاب تسبب الإدمان نتيجة استخدامها لفترات طويلة وبعض الأعشاب سامة مباشرة وقاتلة بشكل رهيب والجدير بالذكر أن هناك عشرات الأعشاب التي كانت تستخدم في الحروب سابقاً حيث كان يدهن رأس السهم بمسحوق العشبة وحين تجرح الضحية نتيجة السهم تتسمم وتموت أو أن تكون لها أثار جانبية سامة مثل نبات الزراوند الذي يستخدم من قبل بعض العشابين لعلاج الصدفية فقد أصدرت وكالة الغذاء والدواء الأمريكية "ف د أ" عدة نشرات تحذر من استخدام الزراوند لأنه يتسبب بفشل كلوي مزمن كما أن الجرعات العشبية حساسة ويجب أن تكون مضبوطة فتأثير العشبة بجرعة معينة يكون باتجاه وبجرعة أخرى قد يكون لها تأثير معاكس تماماً فمثلاً نبات الزراوند الكفي تعمل الجرعة الصغيرة منه كقابض للأمعاء ومضاد للإسهال والجرعة الكبيرة تجعل منه مسهلاً كما يجب التمييز بين جرعات البالغين وجرعات الأطفال إضافة للانتباه إلى الوزن .
وتهدف المعالجة الأكاديمية بالأعشاب الطبية إلى ضمان المعالجة الآمنة بالأعشاب الطبية بعيداً عن العشوائية وعن المعالجات الشعبية المؤذية فاستخدام نبات قتة الحمار لعلاج التهاب الكبد الانتاني من خلال تقطير عصارة ثماره في الأنف فهي سامة ومخرشة جداً وتسبب حرقاً كيميائياً لمخاطية الأنف والطرق التنفسية العلوية وسيلاناً و نزاً من هذا الحرق وبالطبع كون المصل يرقاني فالمادة ستكون صفراء فيفهمها العامة خطأ على أنها تطرح البيلروبين وتعالج اليرقان بينما الاستخدام الآمن لهذه العشبة يكون بتجفيف شرائح الثمار بعد تقطيعها وتعطى بجرعات مدروسة عن طريق الفم كمدر للبول فعال جداً وكمسهل فعال جداً ولا علاقة لها بعلاج اليرقان والتهاب الكبد الانتاني .
ولا يمكن معالجة مثل هذا الموضوع الشائك أي طب الأعشاب العشوائي إلا من خلال إيجاد البديل العلمي المناسب سواء على مستوى الطب البشري أو الصيدلة وكان من الواجب أن نكون سباقين منذ بضعة سنوات بإدخال اختصاصات جديدة الى جامعاتنا لدراسة هذه العلوم وتدريسها وإيجاد صيغ جديدة للتنوع الجامعي الأكاديمي العلمي الطبي منه والصيدلاني وهذا التنوع له الكثير من الفوائد فهو يخفف المنافسة وهو فرصة أيضاً من فرص الاستثمار الاقتصادي إضافة إلى أنه يساعد في تأمين فرص عمل للكثيرين ويأتي دور الجامعات العامة منها والخاصة في هذا المجال من خلال إنشاء فروع لهذه العلوم وإلا فإن أي معالجة لظاهرة التداوي بالأعشاب الطبية هي معالجة فاشلة مسبقاً .
في الماضي كان الناس يقصدون الحلاق للمعالجات الطبية ولكن بعد زيادة عدد الأطباء زالت تلك الظاهرة كما كان الختان يقوم به أشخاص لا علاقة لهم بالطب واليوم يقوم به الأطباء والفنيون خريجو المعاهد الصحية الذين تدربوا في مستشفيات وزارة الصحة وحصلوا على ترخيص ولوحظ في الأعوام الماضية انتشار ظاهرة الحجامة العشوائية التي تسببت للبعض بانتقال عدوى التهاب الكبد نتيجة سوء التعقيم أو عدمه وقوننة الحجامة أيضاً تعتمد على إيجاد البديل العلمي من خلال السماح لخريجي المعاهد الصحية التدرب في مشافي وزارة الصحة ومنحهم الترخيص المناسب أو من خلال تدريس الحجامة في المعاهد الصحية وليس هناك ما يعيب إذا ما تم إدراج مادة المعالجات الطبيعية في كلية الطب و الصيدلة وبتوفير المتخصصين في هذا المجال من أطباء وصيادلة وتوفير المراجع العلمية الموثوقة لنكون قد خطونا الخطوة الأولى الشاقة من طريق الألف ميل والتي تفيد أيضاً في التنوع الزراعي من خلال انتشار زراعة الأعشاب الطبية وخاصة أن سورية معروفة بتعدد المناخات حيث تنمو فيها الأعشاب المتنوعة .
يذكر أن الدكتور قشلق من خريجي جامعة كرايوفا في رومانيا نال اختصاصه في الأمراض .. داخلية.. قلبية .. الباطنية .. من جامعة دمشق وله مجموعة كتب في مجال الطب البديل منها المعالجة بالأغذية الوظيفية والحجامة الأكاديمية والمعالجة بالحقول المغناطيسية .
انتهى مؤخراً من تأليف كتاب موسوعة المعالجة الأكاديمية بالأعشاب الطبية التي تتضمن أكثر من 1300 عشبة ونبتة محلية وعربية وعالمية في أكثر من ألف صفحة عمل بها لمدة خمس سنوات .